اذا دارت بنا الدنيا وخانتنا أمانينا .... وأحرقنا قصائدنا وأسكتنا أغانينا

ولم نعرف لنا بيتا من الأحزان يؤوينا .... وصار العمر أشلاء ودمر كل ما فينا

وصار عبيرنا كأسا محطمة بأيدينا ...... سيبقى الحب واحتنا اذا ضاقت ليــالينـــا

الرائع/ فاروق جويدة

الخميس، 25 فبراير 2010

وحشتينى - (1)

لا زلت أتذكر ملامحك وكأنك لم تغيبى عنا لسنوات... ليست ملامحك وفقط... بل كل تفاصيلك.. تعبيراتك الساخرة...مصطلحاتك المميزة....صراحتك المعهودة.... .براءتك المفتقدة.....دعواتك المستجابة...

أصارحك القول "جدتى" ...نحن جميعا تائهون بدونك... لا أعرف ..ربما لأنك كنت الحضن الكبير الذى يحتوينا ..أو فلنقل يجمعنا...يوحدنا...يقربنا...يذيب المسافات والحدود..يبدل الكره الى حب....حضن يحول الخلافات الى اتفاق غير معلن على كل وأى شىء....

كنت ومازلت بالنسبة لى لغز لم ولن أستطع فك شفرته الى الآن...

فقد كانت هذه المرأة أمية لا تجيد القراءة أو الكتابة ... ولكنها كانت تجيد باحترافية "فن الحب" ..و لغة "العاطفة" ... وحوار "القلب"... بالرغم من أنها كانت متزوجة من رجل أى "جـــدى" مثقف لأبعد الحدود..متعدد المواهب .. يجيد التحدث بلغتين ...بارع فى كتابة الشعر... أعظم رسام فى العالم... يجيد النحت بمهارة ...يجيد العزف على العود... يهوى تربية العصافير... يجيد عمل مشاتل للزرع...سياسى محترف... شغل مناصب مميزة آخرها "عضو اللجنة العامة لحزب الوفد بالمنصورة" الحزب الذى كان يؤمن بمبادئه يقين الايمان ويتغزل دائما فى مؤسسه "سعد باشا زغلول" كما كان ينعته.. ....!!!!..... ولكننا جميعا كنا نلتف حول "جدتى المرأة الأمية" التى لم تعتلى أى من المناصب ... فالبرغم من أنه كان "جد" مشرف.. ولكنه لم يمتلك أيا من أدواتها التى كانت تجذبنا اليها دون أن نشعر....!!!

كانت هذه المرأة أبسط من الكلمات التى يمكن أن تصفها... تحب أبناءها وأحفادها لأبعد الحدود ...كما كانت تملك براءة وعفوية مصحوبة بروح فكاهية غريبة ...خليط قلما يتواجد فى امرأة..
أذكر عندما كانت تمرض .... فى كل مرة كنا نرسل فى استدعاء "نفس الطبيب" الشاب القاطن بنفس الشارع الذى كانت تسكنه ... وعندما يأتى ... يبدأ فى سؤالها :
الطبيب : بتشتكى من ايه يا حاجة؟؟!!!
جدتى : ضهرى بيوجعنى يا بنى ودماغى... بقولك ايه انت ابن مين؟
الطبيب : أنا ابن فلان الفلانى يا حاجة انتى نستينى ما أنا اللى بجيلك كل مرة؟؟!!!
جدتى :اذيك يا حبيبى واذى الست والدتك وأبوك؟؟...بقولك ايه.. انت ليك عندى عروسة بقة ايه قمر...جمال ايه وحلاوة ايه ... طول ايه.. وبياض ايه.... ولا شعرها مقولكش... "بنتى" انما ايه شربات
الطبيب : بس أنا متجوز يا أمى
جدتى : ما هيه كمان اتجوزت من 10 سنين وعندها بنتين عسل زيها ...يالله ملكش فى الطيب نصيب
الطبيب : طب هاتى ايدك يا حاجة :
جدتى : أظن هتقيسلى الضغط بالجهاز البايظ بتاعك ده مش كدة؟؟؟... جيل خايب لا ليكوا فى طب ولا غيره... الواحد كان شرب شوية لبان دكر منقوع  ولا ورق جوافة يجلو صدره... بلا دكاترة بلا هم...

هكذا كان حوارها معه فى كل مرة ..الذى دائما ما كان ينتهى بضحكة منه مجلجلة ...نشترك نحن جميعا فيها... ويكون رد فعلها أن ترمقنا بنظرة محذرة لكى نغادر الغرفة مع ضغط على شفتيها حتى نكف عن الضحك (لأن ضحك البنات قدام الأغراب عيب)

كانت ترى بناتها وأحفادها أحلى بنات فى العالم... فلم تنجب مدينة المنصورة أحلى مما أنجبت هى... وكانت تردد هذا الحوار فى كل مناسبة...وتتوعد من تسول لها نفسها التشبه ببناتها...فكانت اذا حضرت مثلا قريبة لنا للزيارة ... وعقدت فى خضم الحديث مقارنة غير مباشرة بين جمال والدتى وبين نفسها... أو ألمحت لتشابه فى طول الشعر أو جمال العينين...فلا تنتظر جدتى حتى ترحل الضيفة ...لا... تواجها مباشرة بأنه لا مجال مطلقا بين ابنتها جميلة الجميلات وبينك أنتى...ليس لشىء لا سمح الله ولكن هذه هى الحقيقة ...فابنتها لم ولن يولد مثلها...

كانت تمتلك من الصراحة والمباشرة ما يجعلنا نحتمى وراءها... ولكنها لم تكن صراحة وقحة أو فجة... مطلقا .. كم كنت أتعجب من استقبال أى شخص قريب أو غريب لنقدها بصدر رحب!!!... الكاذب تواجهة مباشرة بجملة (زمتك واسعة.... يرمح فيها الحصان)... المنافق ...(فى الوش مراية وفى الأفا سلاية)... القاسى الملامح (انت يا واد عينيك مفيش فيها سحر خالص)... تقصد "بالسحر" الملامح الطيبة الهادئة.. وهكذا

كما كانت حذرة على نفسها وأبناءها من أى ضيف حامل لأى مرض ...فاذا علمت مسبقا بقدوم ضيف مريض بكذا.... تبدأ الطوارىء والاستعدادات بتحضير منديل يحمل قدر كافى من الكولونيا الذى تصر على وضعه من آن لأخر على فمها دون أن يشعر الضيف.. وتنذرنا نحن أيضا بعينيها من آن لآخر...وعندما يغادر الضيف تبدأ فى طقوس غسل اليدين والوجه جيدا لنفسها ولكل أبناءها وأحفادها .... كما كانت تبغض التقبيل لأقصى درجة...تقبيل النساء فى المناسبات مثل الأفراح مثلا... ولكن كان المنديل المعطر دائما الصديق الصدوق المصاحب لها دائما فى كل المناسبات..

كانت تعشق "جدى" لأبعد الحدود... بالرغم أنه كان رجل قاسى نوعا ما...صارم... يدير حياته الأسرية بطريقة أقرب ما تكون للحياة العسكرية... ولكنها كانت مبهورة به .. عاشقة لتميزه ونجاحه فى كل المجالات... قليلا ما كانت تنطق اسمه مباشرة...بل دائما ما كانت تلقبه ب "أبو فتحى" ابنها الأكبر...
لم يستوعب عقلها يوما كم المواهب الذى كان يمتلكها ... كنت أشعر أحيانا أن كثرة هذه المواهب تخنقها...ولكنها كانت تخرج كبتها ونقمها على اهتمامه الزائد بالعصافير والزرع والموسيقى والرسم فى شكل نقد كوميدى ساخر محير بشكل يجعله يقلل ولو مؤقتا من رعاية الزرع والعصافير والأسماك... والتمركز حول "الأنا" التى كان يعشقها... دون أن تتورط وتعطيه الفرصة أن ينهرها....

لم تدرك يوما ماهية "حزب الوفد" الذى يتشدق به ليل نهار ولم تحاول....كانت تغفر الكثير والكثير من سقطاته... لكنها لم تغفر له أى اقتراب من أبناءها... فتتحول فى لحظة الى قطة هائجة على استعداد أن تنهش كل من يحاول ايذاءهم أو تعكير صفو أيامهم .


للحديث بقية .....

هناك 22 تعليقًا:

Tears يقول...

التعليم ليس معيار دائما

فكرتينى بحزب الوفد الله يرحمه...من ساعه ما اباظة مسك الرئاسة و هو قلبه تابع للحزب الوطنى ..حتى السيد البدوى صدمنا فيه لان قناة الحياة بقت استنساخ من اعلام الحكومة..تصورى انها القناة الوحيدة الخاصة التى تجاهلت حتى خبر وصول البرادعي

الله يرحم الوفد و التجمع كانوا احزاب محترمة و دلوقتى بقى مباحث

أميرة الأحلام يقول...

شوشو حبيبتى
يارب تكونى بخير
جميل اوى البوست ده ياشوشو
انا كمان بحب جدتى جدااا ربنا يخليهالنا حسيت وانتى بتتكلمى انك بتتكلمى عنها في شويه حاجات كده
بس هى شخصيتها شديده حبتين وفي الاخر حنينه وطيبه
المهم من كلامك فرق التعليم بين الزوجين مش ضرورى على قد الشخصيه نفسها وان ممكن الرجل يرضى بالزواج بمن اقل منه
المهم التفاهم بينهم ده اهم حاجه
انا رغيت كتير اوى
ربنا يكرمك يا حبيبتى يارب ويوفقك ويسعدك يارب

كيكى عوووووو يقول...

يااااااه
خلتنى عايزة اروح ادفن نفسى فى حضن ستى

إيمان يقول...

عارفه ياشوشو جيتى على الجرح اوى
انا ليا اتنين غاليين عليه اوى جدى وخالتى وفقدتهم بجد محتجاهم اوى
وجدتى كانت شديده وكنت بخاف منها بس كانوا بيقولوا ان قلبها طيب بالرغم من قسوتها وان قسوتها دى علشان تقدر تربى اولاده ويبقوا رجاله بعد وفاه جدى بس باتذكر مواقف ليها معايا وكتبتها بس لسه مش نزلتها ومش التعليم اللى بيفرق
شوفى دلوقتى فى شباب فاسد وست جاهله مربيه علماء اهم حاجه العقل وفهم الحياة والتفاهم
مع خالص حبى وحبى

الطيــر العاشـق يقول...

مشمشة
بجد والله تسلمي علي كلامك لأنك جيتي علي أغلي وأغلي وأغلي حد في قلبي

نيـــنه فريدة الله يرحمها يارب ويرحم كل موتانا
بصراحة كلامك اثر فيا لدرجة مش عارفه أقول ايه؟

علي فكره الغريب كمان انا بقالي كام سنة مش بقول لامي كل سنة وانتي طيبه في عيد الام قبلها أو بعدها بيوم

لأن يوم عيد الام يوم وفاة نينة

ادعولها بالرحمة

sabry abo-omar يقول...

كلماتك تقول انها لم تمت ولكنها تعيش بداخلك وداخل كل الاحباء .. عندما افقد عزيز على القلب يبقى بداخلى اعيش معه متى اريد وأتذكر كلماته واسير بنصائحه كأنه مازل معى ولهذا أراها تعيش وستبقى للأبد بكى وبداخلك..كلماتك مؤثرة جدا وصاقة جدا جدا..سعدت بمرورى عندك وسعدت بكى وبكلماتك

Atef Shahin يقول...

عشت وأنا أقرأ لحظات إختلطت فيها المتعة والشجن
أما المتعة فهي لأن القصة تسرد أخلاقيات زمن إفتقدناه ..هذا أولا
وثانيا أن الله قد حباك أسلوبا مميزا وقدرة رائعة على تطويع الفصحى والعامية بطريقة السهل الممتنع
أما الشجن فلأنني تذكرت جدتي رحمها الله وكنت أحبها كثيرا

تحياتي

Humman being يقول...

Tears
فين الحزب اللى مش بنقول عليه "الله يرحمه" ؟؟؟ نفسى حقيقى ألاقى حزب بجد ويستمر محترم ولو لفترة
كل حزب جديد يبتدى من هنا وتبتدى معاه حروب مين اللى يتولى رئاسة الحزب ومين النائب وهكذا فيسيبوا أحوال البلد ويدوروا على المناصب

Humman being يقول...

مرمورة الأحلام
انتى ترغى زى ما انتى عايزة منورانى دايما يا قمر
فعلا فرق التعليم مش مهم... المهم التفاهم
وكلنا بفتقد الناس الطيبين دول وخصوصا دعواتهم لينا
يارب تكونى بخير وربنا يحققلك كل اللى بتتمنيه

Humman being يقول...

كيكى عووووووووووووووووو
منورة الدنيا وربنا يخليهالك
خالص حبى وتقديرى

Humman being يقول...

emymony
واقعى أوى أوى كلامك يا ايمى ...فعلا ده نموذج تانى من السسيدات اللى كانوا بيبانوا جامدين أوى من بره عشان فاكرين ان ده هيطلع وهيربى رجالة فى الوقت اللى بيبقى عندهم قلب طفل وحنية لا يمكن تتوصف
بالرغم من أنهم غير متعلمين بس فعلا ربوا علماء
البقية فى حياتك يا حبيبتى وفى انتظار كتاباتك الحلوة وأوعى تنسى حاجة أحلى حاجة فى الدنيا ذكرياتنا معاهم

Humman being يقول...

فرفورة حبيبة قلبى
ربنا يرحمها يا حبيبتى ويصبر قلب مامتك ....صعب أوى الموقف ده وفاة الأم يوم عيد الأم...خليكى جانبها فى اليوم ده وربنا يخليهالك يارب
نورتينى يا قمر

Humman being يقول...

sabry abo omar
أنا اللى ببقى سعيدة جدا بمرور حضرتك وبستنى تعليقاتك المحترمة والله
ميرسى على ذوقك ربنا يخليك

Humman being يقول...

atef shahin
ميرسى يا فندم على كلام حضرتك وذوقك
الله يرحمها وشرفتنى بالزيارة
خالص تقديرى

مهموهة أحمد يقول...

شوشو حبيبة قلبي .............
انا وصلت يا جدعان بالانجليزي
هههههههههههههههههههههههههههههههه

وحشتيني خالص يا شوشو و الله و اعذريني يا حبيبتي انتي عارفة اني مش بقعد على النت خميس و جمعة و اوقات السبت و يا ريت ما تفهميش غلط او عقلك يروح لبعيد
هههههههههههههههههههههههههههههههه

بجد موضوع و لا اروع و يا ريت تكمليلنا الكلام الجميل ده يا شوشو بجد موضوع جميل خليتيني احلم بالجدات الجميلات و اتخيل جدتك يا حبيبتي و الله

انا بحكم ما انا طول عمري متغربة عن مصر و اتولدت حتى برة مصر ما عيشتش مع جداتي و لا اجدادي كتير ابدا و ماتوا و احنا لسة صغيرين بجد
و طول عمري كان نفسي يبقى ليا نينة و جدو اصاحبهم و احبهم و يحبوني
جدا اللي هو ابو ماما او بابا
مش جدو بتاع الكورة
هههههههههههههههههههههههههههههه

واحشاني خالص يا حبيبتي و يا ريت يا بنتي بقى الله يخليكي نتكلم بجد نفسي اكلمك تاني و الله

خالص حبي و تقديري ليكي يا قمر

Humman being يقول...

حبيبة قلبى مهموهة القمر.....
أنا عايزة أعمل تحقيق موسع فى موضوع الخميس والجمعة وأحيانا السبت ده
س:؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ج: -------------
لأ مدام كدة خلاص أنا موافقة
ههههههههههههههههههههههههههه

وحشانى يا مهموهة عمرى يارب تكونى بخير انتى وأحمد
مساوىء الغربة كتيييييير بس فى نفس الوقت لما بيكون معانا اللى بنحبهم ...بيهونوا علينا كل حاجة...
ربنا يخليكى لأحمد ويخليهولك... وكووووووول سنة وست الحبايب بخير وصحة

mhmdwahab يقول...

الحقيقة انا المفروض اتكلم عن الجدة ولكنى اترك هذا لمشاعرك نحوها و احب اعلق على موصفات الجد الجميلة التى ارى تشابة كبيرا بين جدك وجدى الله يرحم الجميع خصوصا محبة حزب الوفد لما كان حزب بحق و ليس صورة و اسم فقط و اسجل اعجابى بة اقصد جدك

Humman being يقول...

محمد عبد الوهاب
فعلا هوه كان انسان محترم ومثقف... يمكن هواياته الكتيييير كانت بتبعده عننا شوية مش زى جدتى طبعا اللى كانت معانا ليل نهار
ربنا يرحمهم جميعا
شكرا لمرور حضرتك
خالص تقديرى

mhmdwahab يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
mhmdwahab يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
mhmdwahab يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
فاروق سحير ( فاروق بن النيل ) يقول...

فاروق بن النيل ...
إذا كان كلامك هذا عن جدتك رحمها الله فكيف بكلامك عن والدتك التى هى إبنتها أو والدك الذى هو إبنها لا أدرى هذه الجذور من العائلات تبقى متينة ومترابطة ومتصلة المشاعر والمبادئ ألستى معى فى ذلك هكذا كانت أمى وأبى بالضبط والفارق أنها كانت لاتتباهى ببناتها الثلاثة ولا بأولادها الستة برغم من ثقافتها ( كانت مدرسة فرنساوى بمدرسة أجنبية ) وعندما تزوجت والدى الأزهرى ذو الجبة والقفطان المدرس منعها من الخروج ولم ترى الشارع بعد ذلك أبد إلا بالمناسبات القليلة . تحيتى لجدتك ولجدك .
farouksam.blogspot.com