بالأمس......لمحت من بعيد شبحا متشحا بالسواد يتخفى وراء المارة فى احدى شوارع المنصورة الشهيرة وعندما اقتربت أكثر منه اكتشفت أنها صديقة قديمة شاءت الأقدار ألا أراها لفترة ليست بالقصيرة... تزيد عن الثلاث سنوات.. تغيرت ملامحها لدرجة أننى لم أستطع التعرف عليها الا عندما لاحظت أن عينيها تحملق فى وكأنها ترجونى أن أقف...
توقفت للحظة أمامها دون أن أعيرها اهتمام فى محاولة مصطنعة لايجاد طريق للهروب من زحام المارة....حتى يتسنى لعقلى قبل قلبى التأكد أنها هى.... لربما أخطأت عينى فيحدث ما لا يحمد عقباه... وأخيرا سمعت صوتا مهزوما يحمل جراح سنوات تتخطى سنوات عمرها الحقيقية يقول ...: اذيك يا شيماء؟؟!!!!! ......!!!!!!!
توقفت مذهولة ولسانى ينطق اسمها بصعوبة بالغة.... لم يطاوعنى عقلى أن أبدأ حوارى معها بالحوار الاجتماعى التقليدى الرسمى..."اذيك ...وعاملة ايه؟؟... واذى طنط.. فينك يا بنتى من زمان؟؟" ... .... !!!! أجبرتنى عينى المذهولة أنا أقتحمها مباشرة بدون مقدمات قائلة : مالك؟؟؟!!! لبسة أسود ليه؟؟؟ خسيتى كدة ليه؟؟؟ انتى شكلك بقى عامل ليه كدة؟؟؟ حد مات؟؟؟ مين ؟؟؟ ومات امتى؟؟؟ ..ومقولتليش ليه؟؟؟ انتى سيبتى شغلك؟؟؟ طب امتى؟؟؟.. روحتى شركة تانية؟؟؟ ..انتى مش مبسوطة فيها ولا ايه؟؟؟؟......!!!!!!!!!!!!!!!
هكذا دفعة واحدة كانت أسئلتى... فى ظل نظرة شاردة صامتة منها.. ممزوجة بابتسامة مصطنعة ... حتى توقفت فجأة متساءلة: ...انتى مبترديش عليا ليه؟؟!!!... فأجابت بصعوبة وكأن الكلمات ضلت طريقها من طول صمتها..... قائلة : ما انتى مش مديانى فرصة عشان أجاوبك . أنــــــ.... وضعت يدى على فمها ..... واصطحبتها الى البيت .. وفى الطريق أرسلت رسالة مختصرة لأمى بقدومنا مع شرح بسيط فحواه ضرورة الترحيب بها كأنها فلانة التى لم تتغير منذ ثلاث سنوات حتى لا تحرج ... يكفيها جرعة التعجب المكثفة التى تلقتها منى...!!!!!!!
أدعى أنى سمعتها بعقلى ... ولكن الحقيقة الغيرة معلنة أنى سمعتها بقلبى مع شرود عينى فى أحداث عشت تفاصيلها معها خطوة بخطوة وكأنها شريط فيديو مصور .... كانت تعشقه لأبعد الحدود... لم يكن مجرد زميل بادلها الاعجاب فور استلامها للعمل.... بل كان أول من اجتذب عينيها...أول من حلق فى سماء عقلها ... أول من احتل قلبها....أول من عزف لحن ذابت معه مشاعرها.....عاشت أربع سنوات الدراسة الجامعية دون أن ينبض قلبها لبشر أيا ما كان... وعندما قابلته... فجأة ذاب الجليد..... وألغيت الحواجز
أتذكر عندما هاتفتنى بعد استلامها للعمل بأسبوعين... وسمعت صوتها يرقص فرحا...فسألتها : ايه الحكاية ؟؟؟!! صوتك مش مظبوط..... فأجابت: لأ مش هقولك الا لما أتأكد... ثم حددنا موعد والتقينا ... واذا بها تطير... نعم ..تطير....لم تلمس قدميها الأرض ....لم أراها على هذه الشاكلة من قبل.... ابتسامة لا تفارق شفتيها... لمعة تضىء عينيها... صوت زغرودة مجلجلة تسابق كلماتها........ فسبقتها أنا : بتحبي؟ فقالت : عرفتى منين؟؟؟!!!..... فأجبتها :. أعتقد يكفى كم المعطيات المتاحة.. فضحكنا سويا.... وأسهبت هى لساعات طويلة فى وصف حب العمر....
كنا كلما التقينا وبدأنا حوارنا المعتاد الذى يحمل حكايات كل كبيرة وصغيرة حدثت وسوف تحدث خلال أسبوع مضى وآت... كانت تغافلنى وتدير دفة الحوار نحو حب العمر..... فأتجاهل أنا حلو حديثها وأراوغها وأذهب بها الى منحى حوارى آخر.... تنتظر قليلا... ثم تعاود المحاولة وتلتقط خيط الحديث ... فتتغير ملامحها وأسمع نبضات قلبها متهادية فرحة حائرة تعانقها كلمات مختارة بعناية تصف "الفارس" (كما كنت أسميه) ..... فأباغتها بصوت عال يصف تفاهات "عم أحمد" البواب وزوجته أو طرائف "طنط زيزى" جارتنا البخيلة.... فتفيق على نبرات صوتى المتعمد الصراخ... فتدرك أنى أمازحها... فنضحك من القلب سويا....
كان يود بل يتمنى الارتباط بها جديا ... ولكن منعتهما الظروف من اتمام هذا الارتباط.... لم توافق العائلتين على هذا الارتباط.... لن أخوض فى تفاصيل الرفض الغير مقنع "احتراما لخصوصية لن أتخطاها"... ولكن ما كان يفطر قلبى هو اصرارها على الاستمرا فى هذا الحب ..كلما تقدم شخص لخطبتها... تمتنع عن الطعام والشراب والحديث أيضا... وكان "الانصياع" هو الحل الأخير الذى يلجأ اليه الأهل...!!!!
كنت أحادثها دائما أن لا جدوى من هذا... ستمر سنوات العمر متعاقبة.... ولن تجنى الا الوحدة..... (حاولى النسيان... لما هترتبطى بانسان تانى ويبقالك عيلة وطفل هتنسى كل حاجة)... فتصدمنى بسيل ذكريات يندى لها الجبين....تدمى القلب والعقل معا......وأقرأ بين سطور ذكرياتها كلمات لم تصرح بها مباشرة ...وكأن لسان حالها يقول "الكــــــــــــلام ســهــــــل".....!!!!!! فتتعثر الكلمات بفمى ... وتجيبها عينى بدمعة تشعر هى بها مهما حاولت تجاهلها....
سافر هو منذ عام لاحدى دول الخليج... ومازالت هى على اتصال به.... أشعر أن سفره هذا مجرد هروب مقنع من ضغط الأهل للزواج بأخرى.... وهروب من عينيها التى تحاصره دائما مرددة "متسبنيش" .....
لم تتزوج هى الى الآن... ولم يتزوج هو...!!!!
ترى ألهذه الدرجة يستعصى علينا "النسيــــــان"؟؟؟!!!!!.... ألهذه الدرجة يغير العشق اتجاه بوصلة عمرنا...؟؟!!! الهذه الدرجة تأسرنا الذكريات... ويسكننا الهوى؟؟!!!...وأتســاءل... هل من الممكن أن يدفعنا بحثنا الدائم عن الدفء والحب والأمان والسكن والطمأنينة والسكينة ... الى التنازل عن بقية الأحلام... أم يضحى "الحب" هو منتهى... منتهى... "الأحـــــــلام"؟؟!!! .....
صديقتى الغالية..... أحبى بكل جوارحك....... لا تتنازلى عن عشق عمرك... تمسكى بالشعرة التى تربطك بالحياة... ربما يمر العمر وينتهى ولا نرتشف جرعة واحدة من كأس حب صادق
تحضرنى أغنية "رويدا عطية" ... "شو سهل الحكى "....
شو سهل الحكى
مين اللى بيعرف بيقلب التانى شو فيه
شو سهل الحكى
أنا لولا وجودى بعمرى... عمرى بينطفى